فاعلية برنامج متكامل لخفض سلوك التنمر لدى أطفال الروضة
فاعلية برنامج متكامل لخفض سلوك التنمر لدى أطفال الروضة
إعداد الطالبة: سامية عبد الله العيسى
إشراف: أ.د. كريمان محمد بدير
كليات الشرق العربي
المقدمة:
مرحلة الطفولة المبكرة (من 3 إلى 6 سنوات) من أهم المراحل التي يمر بها الإنسان؛ لما يمر فيها من نمو وتطور عقلي واجتماعي ونفسي وجسمي، فكان لابد من رعاية الطفل في هذه المرحلة وفقاً لأسس علمية وتربوية تعمل على بناء شخصية سليمة ومتوازنة مع نفسها وبيئتها المحيطة.
وفي مرحلة الطفولة المبكرة يواجه الطفل العديد من المشكلات التي تعوق النمو السليم أو تؤثر في جوانب منه، ومنها مشكلة التنمر التي تعوق التواصل الجيد مع الأقران وقد تحوِّل الطفل إلى شخصية مؤذية. لذا كان لابد من التدخل المبكر لمعالجة جذور المشكلة قبل أن تكبر، من خلال برنامج متكامل يتناسب مع الخصائص النمائية للطفل في هذه المرحلة.
عن الدراسة:
إن مشكلة التنمر باتت تؤرق التربويين وأولياء أمور الأطفال ضحايا التنمر في الوقت الحالي، لأنها من أوائل المشاكل التي يتعرض لها الأطفال في هذه المرحلة، وهو ما دفع الباحثة إلى تصميم برنامج متكامل للحد من سلوك التنمر. فقامت الباحثة بتقصي أسباب سلوك التنمر لدى طفل الروضة، ودراسة فاعلية تطبيق برنامج خاص لخفض هذا السلوك.
وهذا البحث من الدراسات القليلة التي تناولت هذا الجانب لدى مرحلة رياض الأطفال، فهو يعود بالفائدة على الوالدين والمختصين والعاملين في رياض الأطفال، ويوفر بيانات جديدة تساعد في إعداد برامج علاجية أخرى سواء للمتنمر أو الضحية.
وقد تطرقت الدراسة لأنماط محددة من التنمر اللفظي والجسدي والاجتماعي، مع الاستقواء العاطفي والنفسي، وذلك في رياض أطفال شرق الرياض خلال الفصل الدراسي الأول، باستخدام المنهج شبه التجريبي ذو المجموعة الواحدة، وتكونت العينة من عشرة أطفال صنفوا متنمرين من قِبل المعلمات. وقد استخدمت الباحثة في دراستها مقياس السلوك التنمري للأطفال والمراهق (إعداد الدسوقي، 2016) إلى جانب البرنامج المتكامل الذي أعدته بنفسها.
البرنامج المتكامل لخفض سلوك التنمر:
قامت الباحثة باستعراض النظريات والمفاهيم والبرامج السابقة الخاصة بدراسة سلوك التنمر، واختارت مجموعة من الأساليب المناسبة لطفل الروضة، وصممت برنامجا من عشرة أنشطة تهدف إلى خفض سلوك التنمر لدى طفل الروضة، بتنمية القيم الاجتماعية والتوعية بالسلوكيات المرغوبة، مع إكساب الطفل قدرة على تكوين الصداقات وتقُّبل النقد وتقديم الاحترام وتحقيق التواصل مع الآخرين.
وتعتمد أنشطة البرنامج على:
1) القصة: تعزز القصة الأفكار وتغرس القيم، وتساعد على النمو النفسي. فالقصة وسيلة علاج لطيفة تُكسب الطفل مهارات حياتية اجتماعية وتنمي العقل وتلبي حاجة الطفل للمتعة والسعادة. وعليه، كلما تأثر الطفل بالقصة؛ تغيّر سلوكه وامتنع عن التنمر برغبته. ولكن يجب انتقاء قصص هادفة خالية من العنف، ينتصر فيها الخير على الشر دائماً وتبتعد عن المثالية الزائفة المرهقة لنفسية الطفل.
2) مسرح العرائس: في هذا النشاط تستخدم الدمى -بطريقة درامية فنية- للتثقيف والترفيه، ويحبذ أن يكون المسرح في الهواء الطلق مع ستارة تنزل على الدمى وترتفع. وهذا يساعد على توصيل القيم والمبادىء السلوكية الإيجابية، وبالتالي تثقيف الطفل وتنمية قدراته الإبداعية، وزيادة ثروته اللغوية بتدريبه على فن الإلقاء والتمثيل والثقة بالنفس، وعلى تفريغ مشاعرهم وانفعالاتهم السلبية. إن توحد الطفل مع بطل القصة أثناء اللعب يجعل الطفل أكثر امتثالاً للقيم الإجتماعية.
وتشير الباحثة إلى أهمية توفير نص جيد ومختصر، يركز على قيم خاصة وليست عامة، وتجسيده من خلال المشاهد المتتابعة، مع الاهتمام بعنصر الديكور الجمالي المكمل لبيئة القصة وأحداثها، واستخدام المؤثرات الصوتية، على ألّا تزيد الدمى عن أربعة في المشهد الواحد. كما يجب الاهتمام بتطابق الحركات مع الكلام، والفكاهة، وعرض الشخصيات الشريرة بصورة منفرة، وقبل بدء العرض لابد للمربية من تهيئة الأطفال وإثارة حماستهم للمتابعة من خلال لعبة بسيطة أو أنشودة ثم خفض الأضواء وتسليطها على المسرح لتظهر الدمى وتبدأ المسرحية.
3) الأنشطة الحركية: الأنشطة الحركية تستثير التفكير لدى الأطفال وتساهم في تنمية التفاعل الاجتماعي وإثراء القيم الإيجابية لديهم، كما أن ممارستها تخرج الطاقة المكبوتة في داخلهم جرّاء الغضب والإحباط والظلم، وتمنع تحوّلها إلى تصرفات عدوانية كالتنمر.
4) لعبة المشاعر: هي نشاط تربوي مخطط له ومضبوط بقواعد، وهي من الألعاب الذهنية العقلية التي تنمي مهارات الذكاء الوجداني وتحسّن مستوى إدراك المشاعر، وتُكسب ممارسيها قدرة أفضل على فهم الأسباب التي أثارت مشاعرهم وعلى التمييز بينها والأفعال.
5) الرسم: الرسم ينفس عن مشاعره الأطفال وانفعالاتهم ويعبر عن ذواتهم ويعزز ثقتهم في أنفسهم. ومن خلال الرسم سيتعرف الأطفال على الألوان وعلاقتها بالطبيعة والحياة الاجتماعية المحيطة، مما ينمي فيهم الحس الجمالي والذوق وروح الخيال.
والرسم من طرق العلاج التعبيري، وهو يحسّن كافة النواحي، البدنية والعقلية والعاطفية، ويخفض التوتر ويحسن الثقة في النفس والوعي بها. لذا، لابد من توفير كافة مستلزمات الرسم للأطفال، وإثراء بيئتهم بالمثيرات الحسية والبصرية والمادية، وإعطائهم الحرية والمرونة للتعبير عما في خيالهم، كما يجب تشجيعهم على الإفضاء اللفظي للتعبير عما رسموا، والأهم في ذلك احترام الطفل وتقديره وعدم السخرية منه أبداً.
وبعد تطبيق هذه الأنشطة المختلفة، خرجت الدراسة بالنتائج التالية:
نتائج الدراسة:
أظهرت الدراسة أنواع سلوك التنمر لدى طفل الروضة، وجاء التنمر البدني في المرتبة الأولى متمثلا في تعمد الضرب أو الدفع أو العرقلة أو الصفع، يليه التنمر الاجتماعي بإشعال الفتن بين التلاميذ وتحريضهم على بعض، وفي المرتبة الثالثة التنمر النفسي متمثلا في الشعور بالسعادة لإهانة الآخرين أو رؤية الخوف في عيونهم وإغاظتهم، والأقل انتشاراً هو التنمر اللفظي بإطلاق ألفاظ بذيئة على بعض التلاميذ وتهديدهم.
وللتحقق من فاعلية البرنامج (القصة، مسرح العرائس، الأنشطة الحركية، الرسم، لعبة المشاعر) في خفض سلوك التنمر لدى أطفال الروضة استخدمت الباحثة اختبارات متعددة، وجاءت نتائج تحليل البيانات بأن البرنامج المتكامل له فاعلية في خفض سلوك التنمر. وتعزو الباحثة هذه النتيجة إلى فعالية الأساليب المستخدمة في البرنامج؛ فالقصة ركزت على السلوكيات الاجتماعية الإيجابية، ومسرح العرائس عمل على تفريغ الانفعالات السلبية التي يعاني منها الأطفال، مما أحدث توازنا في دواخلهم، والأنشطة الحركية زادت من تفاعلهم الاجتماعي وأخرجت طاقاتهم الزائدة، ولعبة المشاعر ساعدتهم على اكتساب قدرة السيطرة على الغضب والإحباط، أما الرسم فقد فرّغ ما في دواخلهم ونمّى فيهم الحس الجمالي.
التوصيات:
قدّمت الباحثة بهذه التوصيات لتفعيل استخدام البرنامج المتكامل في خفض سلوك التنمر لدى الأطفال:
- التعرف بدقة على أسباب انتشار التنمر، للحد منه.
- إعداد دليل للمعلمات يتضمن كيفية توظيف البرنامج المتكامل والاستفادة منه.
- نشر الوعي بين المعلمات بأهمية الكشف عن التنمر لدى الأطفال.
- العمل على تصميم المزيد من البرامج المساعدة في الوقاية من التنمر.
- تصميم دورات ونشرات لتبصير المعلمات بأهمية استخدام البرنامج المتكامل.
- تحفيز ومكافأة المعلمات لتشجيعهن على الحد من ظاهرة التنمر.
- إعداد استراتيجيات للحد من ظاهرة التنمر.
- تشجيع أولياء الأمور على إشراك المعلمات في الحد من التنمر.
- تشجيع الأطفال على التحلي بالأخلاق الحسنة.
مقترحات لدراسات مستقبلية:
- المشكلات المترتبة على سلوك التنمر لدى طلاب المرحلة الابتدائية.
- تأثير الألعاب الإلكترونية على ارتفاع مستوى التنمر لدى أطفال الروضة.
- علاقة التنمر بسوء معاملة الوالدين والخوف الاجتماعي والعوامل البيئية.
- الخصائص النفسية والمعرفية للأطفال المتنمرين.
- الممارسات الفعلية التي تقوم بها إدارات رياض الأطفال للحد من ظاهرة التنمّر.
خاتمة:
يساعدنا هذا البرنامج المتكامل الفعال على الحد من التنمر بالتركيز على تعديل سلوك الأطفال المتنمرين وسلوك الضحايا المحتملين. والأنشطة التي استخدمتها الباحثة لهذا الغرض قابلة للتطبيق في كثير من رياض الأطفال وبتكلفة معقولة ومواد بسيطة.