كتاب التنمر

not_found

التنمر

تأليف: كيم اتنغوف

الدار العربية للعلوم ناشرون

مقدمة:

إن قوة أي دولة تعتمد على قوة وفعالية نظامها التعليمي الذي يعمل على تجهيز الناشئة لحياة هادفة ومفيدة، لذا كانت مسألة توفير مدارس آمنة لجميع الأولاد أمراً مهماً وملحاً. وفي هذا البحث يزوّد الباحث الأسرة والمعلمين بأدوات تعزز مشاركتهما في التصدي لكل التحديات التي تواجه الناشئة، والتي يمثل التنمر أحدها.

التنمر سلوك ليس بجديد، وكثير منا عانى من التنمر أو مر عليه من كان ضحية له في صغرنا، وقد أفادت الدراسات أن التنمر كان سبباً في 80% من حالات إطلاق النار في المدارس في العقدين الماضيين، مما يظهر حجم المشكلة وخطورتها. فكيف للناشئة أن يواجهوا مثل هذا الحالات: بالهرب؟ بالاختباء؟ أم المواجهة؟

يفضّل هذا البحث تحصين الأبناء وتشجيعهم وتزويدهم بالمعلومات المناسبة المساعدة، ليتصرفوا بذكاء ضد أي عنف أو تنمر قد يتعرضون له.

قصص من واقع الحياة:

المدرسة هي المكان الآمن لتكوين الصدقات وتعلم الأمور النافعة والمفيدة، لكن التنمر أحد مهددات هذا الأمان للأسف، ويتمثل التنمر في استخدام المتنمر قوته للاعتداء على الآخرين بالضرب أو الاستهزاء.

أنماط التنمر؟

  1. التنمر اللفظي: بحيث يقول المتنمر أشياء جارحة للآخرين ويهددهم ويضايقهم بها.
  2. التنمر الاجتماعي: وذلك بتدمير علاقة الضحية مع الآخرين، وإبعاده عن المشاركة في المجموعات والأنشطة المدرسية المختلفة.
  3. التنمر الجسدي: يكون بإيذاء الضحية جسدياً أو بأخذ شيء يمتلكه: بالضرب والتكسير والسرقة.
  4. التنمر عبر الإنترنت: لا يحدث وجهاً لوجه كباقي الأنماط، وإنما يتم إلكترونيّا بإرسال رسائل محرجة، مع نشر الشائعات السيئة عن المعتدى عليه.

وأياً كان نوع التنمر فالتكرار شرط لاعتباره تنمرًا، فالمتنمر يحرص على إيذاء الضحية بشكل مستمر ليشعره بالسوء أكثر فأكثر.

لماذا يتنمّر البعض؟

عندما يتنمر شخص ما على غيره فذلك لأنه يشعر بالقوة ويريد أن يلفت الأنظار ويصبح ذو شعبية، ولأن المعلم وأقرانه جميعهم سينتبهون له لإيقافه عند حده سيشعر بالأهمية، كما يتعمد المتنمر إزعاج من هو مختلف عنه، لأنه يشعره بنقصه أو يحفّز سخريته.

واحياناً تكون حياة المتنمر صعبة جداً ويكون ضحية تنمر من قبل والديه أو إخوانه، ونتيجة لذلك يحاول التخلص من شعوره السيء والسلبي بالتنمر على الآخرين.

من قصص التنمر:

قام بعض اليافعين بمشاركة قصصهم عن التنمر، ومنها نذكر قصة هذا الفتى:

"كان فتى هندياً، تعمد أصحابه إيذائه بالسخرية من عرقه، لأنهم ليسوا هنوداً، وتنمروا عليه منذ الصف الثامن وحتى التخرج، يطلقون عليه الألقاب والفكاهات، وهذا كان نوعاً من التعذيب والانتهاك لحقوقه كإنسان، ولقد حاول معاهم مراراً ليتوقفوا ولكنهم تجاهلوه، فيما اكتفى الآخرون بالوقوف والمشاهدة بصمت، إلى أن تدخل تلميذ راشد معهم في المدرسة، فقام بتنظيم جلسة مع الجميع، وناقش معهم الأمر، وعاتب المتنمرين والمتفرجين، وحيّا الضحية لأنه طلب المساعدة".

إن التنمر مشكلة شائعة جداً، فمن بين كل أربعة يافعين يوجد واحد عانى من التنمر، بعضهم تُنمِّـر عليه، أو كان هو مُتنمراً، أو كان مُتنمـِّراً ومتنمَّراً عليه في نفس الوقت، وأياً كان حجم المشكلة فبالإمكان التصدي لها وإيقافها.

والتنمر ليس في المدارس فقط بين الطلاب، فهناك تنمر أيضاً في العمل وفي المنزل بين الراشدين، وفيه يقوم المتنمر بمحاولة السيطرة على الطرف الآخر.

ما الذي يجعل التنمر خطراً؟

يخلّف التنمر آثارا وعواقب وخيمة، منها:

  • التغيب عن المدرسة: حيث أن الضحية سيفقد الرغبة في الذهاب إلى المدرسة بسبب الضغط الذي يفرضه المتنمرون عليه. ويجب أن يعلم الضحية بأن التغيب ليس هو الحل.
  • تراجع الآداء في المدرسة: يشعر الضحية بالقلق والخوف طوال الوقت، فلا يستطيع التركيز في دراسته، فيتوقف عن التعلم، وتتراجع درجاته.
  • الافتقار إلى الثقة بالنفس: إن تكرار التنمر اللفظي على الضحية سيجعله يصدق ما يقال عنه ولو كان كذبًا، فيشعر بانه غير طبيعي وغير محبوب، فيفقد ثقة بنفسه شيئاً فشيئا ويفقد أصحابه واحداً تلو الاخر.
  • الاكتئاب: وهو الشعور بالحزن الشديد لمدة طويلة، تصاحبه رغبة في عدم عمل أي شيء، واضطراب في النوم والأكل. وهو مرض ينتج من الحزن جرّاء تكرار التعرض للتنمر من الآخرين، ولكن أيضاً يجب أن يعلم الضحية أن بإمكانه التعافي إذا طلب المساعدة من شخص مختص.
  • العنف: إن الدفاع عن النفس أمر مقبول، ولكن العنف وإيذاء الآخرين بدون سبب كما في التنمر الجسدي مرفوض. ويجب الانتباه إلى أن المتنمر عليهم جسدياً قد يصلون إلى مرحلة ينفجر فيها ما بداخلهم من أذى فيتنمرون به على غيرهم، ولعل أقصى أنواع عنف التنمر هو إطلاق النار في المدارس.
  • الانتحار: عندما يكون التنمر خطيرًا وعنيفًا، يبدأ الضحية بفقد السيطرة على نفسه ولا يستطيع تحمل المزيد، وقد يلجأ إلى الانتحار! ولعل هذا بسبب أن المتنمرين المتوحشين هم من يدفعون الضحية إلى الانتحار إذ يقولون لهم ألّا أحد يحبهم؛ فيكتئب الضحية ويقدم على الانتحار فعلًا. وهذه قصة ضحية منتحرة نقلًا عن والدتها:

" بعد انتقالهم إلى مدينة جديدة، واجهت ابنتها "كورين" مصاعبا في التأقلم بعيداً عن مدرستها وزملائها القدماء، فشجعتها الأم على ممارسة الرياضة للتخلص من هذا الشعور والتعرف على أناس جدد، فانضمت إلى فريق الفتيات، ولكن الفتيات بدأن بانتقاد مهاراتها، وعلى الرغم من تحدث الأم مع المدرب، إلا أن التنمر ازداد على كورين لتنهي كل تدريب بالبكاء، لوصفهن لها بالسمينة وصاحبة الشعر المتجعد، وصفعها بالنهاية! وبدأن بترك الملاحظات لها بأنه من الأفضل لها أن تموت فلا أحد يريدها أو يحبها، وهذا ما دفعها عند رؤية المسدس في منزلها إلى أخذه وإنهاء حياتها، وهذا حطم الأسرة التي لم تتوقع بأن تكون نفسيتها بهذا السوء جرّا التنمر، ولم يعلموا أنها كانت بحاجة لمساعدة جادة، فقد كانت عكس ما تقوله الفتيات: محبة ونشيطة وذكية. وحزن الجميع لفقدها".

  • التنمر سيء بالنسبة للمتنمر نفسه: فقد أظهرت الدراسات أن وضع المتنمرين يزداد سوءاً، وتزيد الاضطرابات في داخلهم، والكثير منهم يتجه نحو الإجرام ويدان بجرائم قبل بلوغه الرابعة والعشرين من عمره، كما أن نسبة عالية منهم ينتحرون لعدم رضاهم عن أحوالهم ولأنهم يكونون غير سعداء ومحبطين.
  • التنمر سيء أيضاً بالنسبة إلى الشهود: فبعد أن يشاهد أحد المتفرجين ضحية قد تم التنمر عليها، سيشعر بالسوء وبأنه مذنب لأنه لم يوقف هذا التنمر، كما يشعر بالقلق لأنه قد يتعرض لهذا التنمر أيضاً.

البقاء بأمان وعلى استعداد دائماً:

لقد اهتمت المدارس والمنظمات والحكومات بتوفير الكثير من الوسائل لمساعدة الناشئة المتنمر عليهم، على النحو التالي:

  1. في المدارس: يفترض بالمعلمين والمديرين والمستشارين النفسيين والإداريين معرفة كيفية التعامل مع التنمر والتصدي له في مدارسهم. ومن الأفضل عدم معاقبة المتنمر وإنما التحدث إليه لمساعدته، سواء كان اللقاء فردياً أو عبر حلقات نقاشية صفية مع مختلف التلاميذ. كما حرصت بعض المدارس على زرع قيم الاحترام والتعاطف منذ الصفوف الأولى ليستطيع الأطفال التعامل مع بعضهم بدون تنمر.
  2. الحكومات: أيضا للحكومات دور في مواجهة التنمر، بوضع قوانين أكثر دقة للتعامل معه. وعلى المستوى الدولي خُصِّصَت ثالث جمعة من شهر فبراير للتصدي للتنمر، حيث يرتدي المشاركون قميصاً خاصاً يظهر أنهم يتصدون للتنمر، كما سنت بعض الحكومات كما في اليابان قانوناً يفرض على المدرسة أن تبلغ السلطات في حال وجود متنمر فيها.
  3. المنظمات والمجموعات حول العالم تساهم أيضاً في الحد من ظاهرة التنمر، مثل منظمة اليونسكو التي أطلقت برنامجاً للتصدي للتنمر.

ماذا الذي يمكنك القيام به لتبقى بأمان؟

يجب أن يعلم الضحية أنه يملك قوة كافية لإيقاف المتنمر عن فعله، إما بطلب ذلك منه مباشرة، أو بتجاهله تماماً، أو حتى بطلب المساعدة ممن هو أكبر سناً.

إذا تم التنمر عليك، تصرّف كالآتي:

  • تجنب المتنمرين: بتغيير مقعدك أو طريق العودة إلى البيت وما إلى ذلك.
  • كن واثقاً من نفسك: فالمتنمرون يدفعون الضعفاء للبكاء، فحاول أن تخفي مشاعرك السلبية وتظهر قوتك وعدم خوفك منهم.
  • تجاهل المتنمر: إن تجاهل الضحية للمتنمر يحبطه، لأنه يسعى لتتفاعل معه أكثر فيزعجك أكثر، فحاول التركيز في شيء آخر ولا تهتم له.
  • كن فخوراً بنفسك: لا تصدق يقوله المتنمر عنك، واعمل أنك إنسان ذو قيمة، وبإمكانك فعل الكثير مما تحب.
  • حاول أن تكون صديقاً للمتنمر: فأغلب المتنمرين يعانون الوحدة ومشاكل خاصة، وبمجرد طلبك منه أن يحدثك عما يضايقه، سيرتبك ويبتعد عنك.
  • ابحث عن مجموعة أصدقاء تحبهم ويحبونك، فمن يتنمر عليك ليس بصديق. الأصدقاء هم من يجعلونك تشعر أنك بأفضل حال.
  • أخبر شخصاً ما: أخبر المعلم أو المشرف أو أحد الأقرباء أنك تتعرض للتنمر، وإذا لم يساعدك اذهب إلى غيره حتى تجد من يدعمك بقوة ويساعدك.
  • قابل مستشاراً نفسياً: للتحدث معه عن مشاعرك السلبية.
  • تذكر أنك لست وحدك: فهناك الكثير مما يعانون مثلك من التنمر، تحدث معهم فقد تستطيعون مساعدة بعضكم بعضاً.

إذا كنت مكتئباً أو تفكر في الانتحار:

اطلب المساعدة في أسرع وقت، فسيتعامل الراشدون مع هذه المسألة بجدية كبيرة. ولابد من التعافي من حالة الاكتئاب التي تمر بها على يد طبيب مختص.

إذا شاهدت التنمر:

تحدى نفسك واطلب من المتنمر أن يتوقف، ليعلم أن من يشاهده لا يشجعه. وحاول أن تستنجد ببعض الرفاق للتصدي معك له، أو ادعُ أحد الراشدين للتدخل، المهم ألا تشجع المتنمر على سلوكه بالسكوت.

إذا كنت متنمراً:

هناك الكثير من الطرق تساعدك على تغيير سلوكياتك. اعتذر لمن تنمرت عليهم، حاول ألا تتحدث عن كل ما تراه في زملاءك ولا يعجبك، تحكم بغضبك، اطلب المساعدة من الراشدين.

خاتمة:

لأن التنمر أصبح شائعاً في المدارس، لابد للمتنمر والمتنمر عليه والمتفرج أن يتعلموا كيفية مواجهته والتصدي له والتخلص منه، فمعرفتهم تبقيهم مستعدين دائماً للتعامل معه، وبالتالي الحصول على الأمان المرغوب في مدارسهم.

الوسوم