طفلك مزعج وأنت السبب

not_found

طفلك مزعج وأنت السبب

تأليف: إلين روز جليكمان

الناشر: مكتبة جرير

مقدمة:

يمر الأطفال في مراحل النمو المختلفة بالكثير من التحديات، وفي هذا العصر يعيشون في ظل ثقافة تعلي من شأن العنف، وتوجه نحو الأمور غير الأخلاقية، وتشجع على عدم تحمل المسؤولية، لذا نجد الكثير منهم يتصرف بسوء، رغم أننا كآباء نعطيهم أفضل ما لدينا، ولكن للأسف نجد بين أيدينا أطفالا مدللين مزعجين.

إن الآباء دائماً يرغبون السعادة والتقدير والنجاح لأطفالهم، وهذا يجعل أهم مهمة لديهم هي أن يعلموهم ألا يكونوا مزعجين؛ بوضع الحدود والتوقعات التي تجلب لهم احترام الذات واحترام من حولهم.

المزعج الناشئ: مرحلة ما قبل سن المدرسة:

يتبنى بعض الأطفال عادات لا يمكن وصفها بأنها مبهجة، وهذا يزعج الآباء الذين تكمن سعادتهم في توقف أطفالهم عنها. ويخشى بعض الآباء رفض طلبات طفلهم أو منعه من شيء، ظناً منهم أن ذلك يدمر ثقته بنفسه ويؤدي إلى ضعف الترابط، وبالتالي الانحراف، وهذه أفكار خاطئة تماماً.

إن دور الآباء الرئيسي هو توجيه أطفالهم وتعليمهم، وليس التبسم في وجوههم وهم يقومون بأعمال سيئة ومزعجة. وهذا ما سيبحثه المؤلف من خلال أمثلة مختلفة تتناول كيفية التصرف بهدوء وحب وفاعلية لمسك زمام الأمور في العلاقة بين الوالد وطفله.

طفلك يتحكم فيك:

يستمتع بعض الأطفال بالتحكم في آبائهم بالتذمر حتى يتحقق ما يريدون. فالطفل في هذه المرحلة يريد فقط أن يلفت انتباه والديه إليه، وبالتاكيد لا يريد أن يكون هو المسؤول عن شيء؛ لأنه لا يملك القدرة على ذلك، بل بالعكس هو يثق في والديه ويحتاجهما ليشعر بالأمان. وإذا ما قام الآباء بتركه يتحكم في كل شيء سيحصلون في النهاية على مراهق مغرور لحوح، ومن الصعب تصحيح الخطأ حينها.

على الآباء الاستماع إلى طلبات الطفل وتقديم الرد المناسب بدلاً من تنفيذها تلقائيّا، فإذا طلب الطفل من والده مثلاً القيام من على الكرسي ليجلس مكانه، على الأب ألا يتحرك، بل يخيّره بين الجلوس على حجره أو على الكرسي الآخر بجانبه، بهدوء وبدون صراخ. هكذا نعطي للطفل فرصة الاختيار والتحكم بما يريد، ولكن ليس التحكم بالأب ولا في الموقف بالكامل. وعلى الآباء الصبر وإن أخذ هذا الأسلوب وقتاً لينجح.

طفلك كثير البكاء:

البكاء أقوى أسلحة الأطفال، فالطفل يعرف أن والده سيستلم له ويلبي ما يريد فوراً حين يبكي. ولن يتغير هذا الأسلوب لدى الطفل إلا إذا غير الوالد سلوكه أولاً، فهو من علّم طفله أن البكاء يلبي طلباته.

على الآباء أن يرشدوا أطفالهم إلى أن البكاء غير مجد. سيكون هذا صعباً في البداية، وعلى الآباء التحلي بالهدوء والصبر، فنحن لا نريد أن نهمل الطفل ولكن نريد ألا يبكي على كل شيء يريده، وإذا أراد الاستمرار في البكاء فعليه فعل ذلك بغرفته لوحده، وعندما ينتهي يعود ليطلب ما يريد بهدوء ولطف. هكذا يفهم الطفل أنه غير مسموح له فرض مزاجه على البيت ولن يهتم أحد إلا بالأسلوب اللطيف الجميل.

طفلك يعض:

بعض الأطفال يعبر عن إحباطه من خلال عض الآخرين. وهذا سلوك خاطئ ويجب أن يتعلم الطفل التعامل مع مشاعره بدون أن يؤذي أحداً. ولتعديل هذا السلوك يجب رفضه بقوة، مع المبالغ في = رد الفعل والاستنكار؛ ليرتبك الطفل قليلاً ويبدأ بالتفكير فيما قام به. وهنا تبدأ مهمة الآباء بالتحدث معه ومحاولة احتوائه، إذ كلما فهم الطفل أن مشاعر الغضب أو الإحباط التي يمر بها قابلة للمعالجة بدون اللجوء للعض، سيبدأ في التغير.

طفلك يصرخ:

أحياناً تتحول ضحكات الأطفال إلى صراخ يصم الآذان، ويتناسى الآباء أنهم هم من يصرخون إذا ما طلب الطفل منهم شيئاً، وهذه حقيقة لا يتقبلها الآباء، أنهم هم من أجبر طفلهم على استخدام نفس الأسلوب في المعاملة. فدور الآباء هو تعليم الأطفال الأعراف الإجتماعية وحدود التعبير عن النفس. والأطفال بطبيعتهم أنانيون لا يدركون إلا احتياجاتهم الخاصة ولا يهتمون بغيرها. لذا لابد من تعليمهم الكلمات الراقية والتصرفات الودودة واحترام الآخرين. سيتعلم الطفل تدريجياً أنه لن يستطيع التحدث متى شاء وأينما شاء وبأي نبرة يريدها، دون اعتداء على استقلاليته وقدرته الإبداعية.

وفي هذا الصدد يقترح الكتاب ممارسة لعبة الصوت العالي والصوت المنخفض بحيث فيها يقوم الطفل برفع صوته عند كلمة عالي وخفضه عند كلمة منخفض، ومن ثم إخباره بالمواقف المناسبة لكل صوت. وبهذا سيبدأ الطفل إدراك المواقف والأماكن التي يجب أن يخفض صوته فيها. ويجب إخباره أنه إذا استخدم صوته العالي وأزعج الموجودين، سيُبعد عن المكان فوراً ولن يحصل على لعبته أو حلوياته أو أي شيء كان يريده في ذلك المكان.

يجب الانتباه أيضاً إلى أن الطفل يجب أن يستخدم صوته العالي، لذا لابد من إعطائه الحرية أحياناً لرفع الصوت ليستخرج كل الطاقات الكامنة في داخله، فهذا سيشعره بالسعادة أكثر.

الطفل يطلب أشياء سخيفة أثناء التسوق:

يجب ألا يصبح تلبية كل طلبات الطفل عادة لدى الآباء، وإلا سنفقد السيطرة على ردود فعل أطفالنا. ولتفادي طلبات الأطفال الكثيرة أثناء التسوق، يجب الاتفاق معه قبل الخروج على ما يمكنه الحصول عليه اليوم من السوق، مع محاولة تشتيت انتباهه أثناء التسوق. وهكذا ومع التكرار سيصل الطفل إلى مرحلة يعتز فيها بنفسه عندما يرى إزعاج الأطفال الآخرين لآبائهم أثناء التسوق.

وعلى العموم، تصرفات الأطفال المزعجة التي تناولها الكتاب كثيرة ويصعب حصرها في هذا الملخص، ولكن جميعها يمكن معالجتها عبر الأساليب الهادئة والقدوة الحسنة. ومن تلك التصرفات التي تصدر عن الأطفال إضافة إلى ما سبق: ضرب الوالدين والتشبث بهم، رفض ارتداء ملابس بعينها، الإصرار على طعام بعينه، وغير ذلك.

طفلك المزعج: من سن الخامسة إلى العاشرة:

إن تعليم الطفل كيفية التأقلم من مهمة الآباء خلال السنوات الخمس التالية من عمره؛ ليعرف أنه واحد من أشخاص آخرين مهمين ومميزين يستحقون الاهتمام مثله أيضاً، حتى لا يتحول إلى طفل مدلل أناني لا يستطيع الانسجام مع الآخرين.

طفلك يقاطع الآخرين أثناء الحديث:

هذا تصرف غير لائق يجب أن يوقف عنه الطفل ليفهم أن عليه انتظار دوره في الحديث. وعلى الآباء مراجعة أنفسهم اولاً لتقييم متى وكيف قاطعهم أطفالهم، وهل هم المخطئين في قلة الانتباه والاهتمام به، أم أنه يود فقط لفت انتباههم ومقاطعتهم للحصول على الانتباه أكثر من الآخر.

يجب أن يتقبل الآباء حقيقة أنهم على وشك إزاحة الطفل في هذه السن من دائرة الاهتمام الدائم والمستمر، لأنه سيذهب إلى المدرسة ويجب أن نضمن أنه لن يقاطع مدرسيه وزملائه طوال الوقت، وبالتالي سنصل إلى طفل ماهر على المستوى الإجتماعي، يسعد الآخرون بصحبته.

يمكن للآباء شرح التصرف الأمثل للطفل قبل وصول الضيوف إلى البيت، ليعرف أن انشغال والديه مع ال       يوف مؤقت ولا علاقة له باهتمامهم وحبهم له، وانه عليه أن يبحث عما يسليه حتى مغادرة الضيوف، وأن يتصرف بلباقة وأدب إذا ما جلس مع الضيوف.

طفلك لا يستجب من المرة الأولى:

على الآباء بهدوء وحزم وفعالية طلب الشيء من الطفل مرة واحدة فقط، ومن ثم معاقبته على عدم انصياعه للأوامر، برفع الأواني مثلا وعدم انتظاره إن تأخر عن الانضمام للعشاء، وبإبقائه في البيت إن لم يستعد للخروج، وهكذا...

وقتها سيدرك الطفل أهمية أن يستجيب لوالديه، ويبدأ بالاهتمام بالتنفيذ الفوري لأوامرهما. ولكن يجب يبقى الوالدين هادئين وثابتين على نفس المنهج، مع الانتباه أيضاً إلى أن الطفل قد يرفض الاستجابة لأن هذا هو نفس ما يجده من والديه عندما يطلب شيئا منهما. ومن الجيد للآباء مراجعة ردود فعلهم عندما يطلب الطفل منهم شيئاً، فطريقة تلبيتهم له ستكون مشابهة لما سيقوم به هو.

طفلك يحتاج التماسك:

والمقصود ألا يفزع بسبب حدوث شيء غير مرغوب فيه، وإنما يتحلى بالتماسك للنهوض من العثرات، وعدم إعطاء الأمور أكثر مما تستحق. وهي مهارة يحتاجها الطفل بقوة، فقد يسقط من الدراجة، وهنا يجب تركه ليتعلم كيف يتصرف في مثل هذه الأمور الصغيرة، ليتماسك ويقف ويحل المشكلة بمفرده.

لتكن ردة فعل الوالدين مناسبة، كأن يقولا مثلًا: "يا الله! هذا جرح بالغ، اغسله، وضع عليه لاصقة الجروح، هي في خزانة الأدوية". هكذا يتماسك الطفل ويقف بثقة أكبر ليتصرف بإيجابية. وإذا شعر بالبرودة مثلا يجب ألا يسرع الوالدين لتوجيه المدفأة نحوه بل يطلبا منه أن يحضر معطفاً مثلاُ. فهكذا يتعلم كيفية الاهتمام بنفسه ويحل مشاكله بمفرده.

طفلك يفسد الوجبات:

مع أن الوجبات المشتركة هي أفضل الطرق لبناء أسرة قوية وسعيدة، لذا من الجيد أن يسهم الطفل في تجهيز وإعداد المائدة. وعندما يشارك في إعدادها لن يفسدها. وذلك بالتزامن مع تعليمه آداب المائدة: كيف يجلس وكيف يأكل وكيف يستخدم الأدوات المائدة. قد يأخذ وقتاً ولكن سيلتزم في النهاية، وأحياناً يمكن أمره بمغادرة المائدة إذا أساء التصرف، ليتعلم احترامها أكثر في المرات القادمة.

وهناك مشاكل أخرى من هذا النوع يمكن معالجتها بذات الأساليب، منها الوقاحة والكذب وعدم الشكر.

طفلك المزعج ما قبل سن المراهقة: من عمر التاسعة إلى الثانية عشر:

مرحلة ما قبل المراهقة أو مرحلة الطفولة المتوسطة أو مرحلة التقلبات كما يسميها البعض، مرحلة مليئة بالتغيرات. يزيد فيها اعتماد الطفل على أقرانه ويقل اعتماده على أفراد أسرته، كما تصاحبها اضطرابات عاطفية مرهقة للطفل ولوالديه؛ لذا يجب أن يحرص الآباء في هذه المرحلة على تقليل حدة ردود الفعل، وعلى زيادة الاستماع للطفل، وتفهم أموره والاشتراك معه في الأنشطة.

طفلك يحتاج إلى تحمل المسؤولية:

تحمّل الطفل للمسؤولية يجعله يقدر جهود والديه، لنبدأ بجعله مثلاً يقوم بإعداد وجبته بنفسه، مع إعطائه بعض النصائح. فتشجيعه على أن يصبح مميزاً، يزيد من ثقته بقدراته. ولا يجب الإلحاح عليه بفعل أي شيء في هذه المرحلة، فقط يجب تركه ليتصرف بمفرده مع التوجيه بلطف، ومع تذكيره بالانتباه إلى الانطباع الذي سيتركه تصرفه لدى الاخرين.

طفلك يخاطبك بوقاحة:

إن الطفل في مرحلة الطفولة المتوسطة يشعر بالإثارة لأنه أصبح شخصا مستقلا، فيحاول استكشاف مدى تعبيره عن نفسه وجرأته. وتفهم الوالدين لهذا الدافع لا يعني السماح له بالاستمرار في وقاحته وجرأته. يجب أن يتعلم الطفل تبادل الكلام مع والديه في مناخ من الاحترام واللطف.

فهناك خط فاصل ما بين التعبير عن الذات وجرح مشاعر الآخرين، ويجب إخبار الطفل بذلك من خلال حوار واضح وصريح، بان والديه غير مسرورين بهذا الأسلوب في التعامل، ويجب العمل على تغييره فوراً، وإذا لم يتغير لا يجب عدم الانجراف معه في الوقاحة، وإنما إخباره فقط بخيبة الأمل فيه.

طفلك لا يساعدك:

قد يكون الوالدان هما من يربيان الأطفال على الاعتماد على الاخرين منذ الصغر، وقد يكون ذلك مبررًا في الطفولة الباكرة، لكن في الطفولة المتوسطة يكون الطفل قد كبر ويستطيع الاعتماد على نفسه أكثر، وهنا يجب البدء مباشرة بطلب المساعدة منه في إنجاز المهام، مع شكره على المساعدة. ساعتها سيشعر بالسعادة وبالانتماء للفريق ويستعد للمشاركة في كل التفاصيل.

طفلك مدمن الأجهزة الإلكترونية:

يجب أن يمارس الآباء حقهم بالتدخل فوراً وبدون تردد، بتقييد استخدام الطفل لجهازه الإلكتروني، حتى وإن تذمر الطفل ولم يشعر بالسعادة، لأن التقييد سيجعل هناك وقتا للمحادثات والمشاركات الأخرى.

من الممكن البدء بالاتفاق مع الطفل على عدد الساعات المسموح بها، وإن لم يلتزم يجب أن يكون هناك إصرار وجدية من قبل الوالدين للتصرف الفوري.

ومن السلوكيات التي تحتاج إلى صرامة أيضًا وتدخلًا فوريّا، التبذير وعدم الاهتمام بالأقارب والآخرين وكثرة التململ وعدم مراعاة تعب الوالدين.

خاتمة:

نمو الأطفال بدون سلوكيات خاطئة لا يحدث إلا بمجهود كبير من الآباء، فالطفل يمر بمراحل نمو متعددة لكل منها خصائصها التي تؤثر في سلوكه، وهو بحاجة دائمة للمساعدة من والديه لتخطيها بسلام، من خلال المراقبة والإبعاد عن الخيارات السيئة، مع تغيير استراتيجات التعامل معه بكل مرحلة منها.

الوسوم