تقنيات الدفاع عن النفس ضد التنمـــر

not_found

تقنيات الدفاع عن النفس ضد التنمـــر

إرشادياً وسيكولوجياً وجسدياً

تأليف: دافيد شعنين

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون

المقدمة:

يبدأ المؤلف كتابه بالتعريف عن نفسه، فهو أحد ضحايا التنمر، وقد عاش طفولة قاسية تعرض خلالها لأشكال متنوعة من التنمر والبلطجة، سببت له مشاكل نفسية واجتماعية كثيرة، إلى أن قرر في سن الثانية عشرة أن يتعلم تقنيات الدفاع عن النفس، ليستعيد قوته وثقته بنفسه، ويتخلص من آثار التنمر الذي وقع عليه، فكان ذلك هذا دافعاً له لنقل تجربته وتأليف هذا الكتاب لتناول موضوع الدفاع عن النفس ضد التنمر.

التنمر:

إن التنمر برأي الكاتب تفاعل اجتماعي مسيء، يشمل العدوان والمضايقة والعنف بشكل متكرر. فالمتنمر لا يتمكن من السيطرة على مشاعره ولا إدارتها، لذا يحصل منه التنمر بأشكال عدة: جسدية ولفظية واجتماعية وإلكترونية، وفي كل مكان تقريباً.

وفي المدارس ترتفع نسبة التنمر بين الطلاب، فقد تعرض 42% من الصغار للتنمر الإلكتروني في الولايات المتحدة، واعترف 45% من الذكور بتعرضهم للتعنيف الجسدي على يد المتنمر، ولعل ارتفاع النسبة يعود إلى ارتفاع نسبة التعنيف الأسري الذي يمهد الطريق لممارسة التنمر على الآخرين.

إن التنمر يترك آثاراً سيئة على الضحايا، مثل القلق والعزلة و "الكوابيس" والكآبة وغيرها، وقد تدفع هذه الآثار الضحية لمحاولة الانتحار كما فعل "جيمي"، وهو تلميذ في الثاني عشرة من عمره كان يتعرض للتنمر من قِبل "مارك" زميله الذي يستفرد به في حمام المدرسة لينهال عليه ضرباً في بطنه، وقد نجا جيمي من محاولة الانتحار وطُرد من المدرسة، ثم تعلم "جيمي" التايكوندو، فأصبح أكثر ثقة بنفسه.

مسؤولية الكبار والمربين:

اهتم الباحث بتبيان أهمية العلاقة الإيجابية بين الأبناء وآبائهم، والتي تحد من التنمر وانتشاره، لذا نادى بفتح قنوات الاتصال ما بين الأهل والمدرسة والأبناء، لتشجيع الأبناء على اللجوء إلى من هم أكبر منهم سناً لطلب المساعدة، كما نادى بتوعيتهم ليكونوا حريصين مما يحيط بهم، وأن يسيطروا على عواطفهم ويحترموا أنفسهم والآخرين أيضاً، باعتبار أن التنمر صفة مكتسبة وليست وراثية، وعليه يمكن التحكم فيها وتعديلها.

تشير الدراسات أن الصغار الذين يملكون ولو قليل من الثقة بالنفس، ويجيدون التواصل مع الآخرين، ويستطيعون الدفاع عن أنفسهم، هم الأقل تعرضاً للتنمر، لذا على الأسرة والمدرسة معاً العمل على توعية الصغار أكثر، عبر برامج توعية ونشاطات جماعية تنشر الألفة بينهم وتعزز ثقتهم بأنفسهم.

فمن أنجح طرق اعتراض التنمر –حسب رأي المؤلف- التدريب على مواجهته، مع خلق أجواء آمنة أكثر بالمدارس عن طريق وضع مراقبين وحراس مدربين، إلى جانب توفير كاميرات مراقبة وخطاً ساخناً للإبلاغ عند الضرورة.

ويضيف: التحدث مع الصغار عن التنمر بصورة مباشرة يعد من أفضل الطرق التي يجب أن يتبعها الأهل والمربون، لإشعار الصغار بالحرية للتعبير عن كل ما يتعرضون له.

فوائد مهارة الدفاع عن النفس:

يلفت الباحث النظر إلى ملامح مشتركة ما بين المتنمر والضحية، وهي ان لكليهما مشاعرًا سلبية مكبوتة، وقلة اعتبار للذات، وعدم ثقة بالنفس، ولذلك وضع فلسفة تدريب تصب في خانة بناء الاحترام والألفة بين الأفراد، عبر مشاركة المتنمر والضحية في التدريب لمساعدتهم على تغيير السلوك الخاطئ، فمساعدة الآخر واجب لابد من أدائه في نادي الفنون القتالية، وهذا ينمي التعاون والشعور بالمسؤولية، مع مراعاة أن برامج الدفاع ليست كلها صالحة للتعامل مع التنمر وهناك مدربين قد يكونوا سببًا في زيادة العنف.

إن قواعد ممارسة الفن القتالي تقوم على النزاهة واللباقة، والسيطرة والتحكم بالذات، والتواضع والمواظبة، وهذا كله يحفز السلوك البشري نحو الأفضل، ليحقق توازنًا ما بين العقل والروح والجسد، فيزيل العدائية وينمي الوعي الذاتي والبيئي.

محاورة المتنمر أو "الجودو" اللفظي، وهو جانب من فنون القتال السيكولوجية والتقنية، فمحاورة المتنمر لكسب وده وصداقته لن تنفع بدون ثقة بالنفس وقدرة على الدفاع عنها النفس إذا فشل الدفاع النفسي، فالمتنمر قد يفاجئ الضحية في أي لحظة بالهجوم عليه.

إن الجودو اللفظي كما في رياضة الجودو يركز على استعمال قوة الخصم ضده، بهدف أن يفقد توازنه ومن ثم السيطرة عليه بسهولة. ويذكر هنا المؤلف التاءات الثلاث في أكاديمية الشرطة: (تيقظ، تنبه، تجنب)، فلابد من التيقظ والوعي لما يدور حولنا، والانتباه إلى إنذارات الخطر، وتجنب الخطر الذي هو أنجح وسيلة للدفاع.

المهارات التي يرسخها فن الدفاع:

إن مهارة استعمال الجسم كأداة للدفاع عن النفس غير كافية لوحدها، لابد من التحكم بمهارات أخرى، وهي:

  • مهارة تنمية الاعتبار الذاتي: لأن الاعتبار الذاتي يُشعر الفرد بالرضا وأنه جدير باحترام الآخرين، وهذا بسبب عدة عوامل تؤثر في الاعتبار الذاتي، منها:
  • الأفكار والإدراك.
  • ردود فعل الآخرين.
  • التجارب الخاصة في البيئة الشخصية.
  • القدرات الجسدية.
  • السن.
  • تأثير وسائل التواصل على الشخصية.

وممارسة فنون القتال فيها تحدي للذات، واستخراج للطاقات الإيجابية، وتشعر الشخص بقوته الذاتية والجسدية فيتقن التحكم بالنفس وتنمية اعتباره لنفسه وللآخرين.

  • مهارة حماية الحدود الشخصية: عدم وجوده الحدود الشخصية أو حمايتها يسمح للمتنمر باختراقها ليصبح الفرد فريسة سهلة. ويبدأ ترسيم الحدود منذ الصغر، فاحترام الأهل لخصوصية أبنائهم وعدم التدخل في أمورهم الشخصية يؤدي إلى تعليمهم احترام حدودهم وحدود الآخرين، وينمو هذا الوعي أيضاً من خلال دروس فنون القتال، ففي تقنيات الدفاع اختراق لحدود الآخر عبر سيناريوهات تبادل الأدوار.
  • مهارة تقييم المواقف واختيار كيفية التعامل معها: بعد أن يستخدم تلامذة الفنون التاءات الثلاث، سيمكنهم تقييم نوايا ومواقف الآخرين تجاههم قبل أن تتحول إلى تصرف، وهذا يقلل من التصرفات العشوائية التي تؤدي إلى العنف.
  • التصرف دون تردد: لالتردد عدو النجاح، والمتنافسان في فنون القتال يبدآن بالمراوغة والمماطلة لدراسة نوايا الطرف الآخر، وبعدها يجب أن يقرر كل واحد منهما متى يبادر بالهجوم السريع، والذي يتردد سيكون الفشل نصيبه والمبادر سيصبح هو المتحكم.

تقنيات الدفاع عن النفس للصغار:

يقدم الباحث تقنيات دفاع عن النفس مناسبة للصغار، وبعيدة عن العنف، لتكون خطاً دفاعياً لهم يصعب اختراقه، وتتمثل في وضع حماية للحدود الشخصية، بوضع حاجز خيالي بين التلميذ والمتنمر، ومنعه من اختراقه، وبعدم وضع اليدين وراء الظهر، وإنما بأخذ وضع الحيطة قبل تنفيذ الدفاع الفعلي.

ويستعرض الباحث أشكالًا للدفاع، من وضع الحيطة، مثل صد الهجوم بالقبضة على الرأس، أو شد الشعر وكف اليد، كما يوضح سيناريوهات مختلفة للدفاع ضد الدفع، وضد الإمساك من الخلف، وضد احتجاز العنق، وضد الركلة الأمامية، وكل هذه الأشكال موضحة بالصور مع الشرح المبسط، وهدفها السيطرة على المتنمر نفسياً وجسدياً.

أيضًا، يوضح الكاتب أهمية دور المدرب في تدريب الصغار ضعيفي البنية مع من هُم أضخم حجماً وأكثر وزناً، فمن المهم محاكاة الهجوم والدفاع ضد خصم أكثر قوة، لتزيد ثقة الصغير بنفسه وقدراته، وقد يقوم المدرب بنفسه بآداء دور المتنمر القوي.

ولم ينس المؤلف التأكيد على أهمية توعية الشهود بأهمية وكيفية التدخل ضد أي تنمر يحدث أمامهم، سواء كان التدخل لفظيّا أو جسديّا، بأسلوب لا يثير نقمة المتنمر عليهم.

ويختتم المؤلف كتابه بعرض قصص من الواقع تعرض كيف استطاع الضحايا من صغار السن التخلص مما يعانون منه من التنمر، وذلك بالانضمام لبرامج الدفاع عن النفس التي زادت من ثقتهم بأنفسهم وزادت من وعيهم بقدراتهم وإمكانياتهم.

الوسوم