التنمر لدى طالبات الصفوف العليا

not_found

التنمر لدى طالبات الصفوف العليا

(في المرحلة الابتدائية في مدينة الرياض)

إعداد الطالبة: وفاء بنت صالح بن مضحي العنزي

إشراف: أ. د. فوزية بنت بكر البكر

جامعة الملك سعود

تقديم:

المدرسة مكان يجمع الطلاب والطالبات لبناء شخصياتهم تربوياً وتعليمياً. وفيها يكتسبون السلوكيات الإيجابية والسلبية التي تؤثر في مسار حياتهم الحالية والمستقبلية. لذا كان من المهم أن يحظى التلميذ بالراحة والأمان والاستقرار خلال وجوده في المدرسة؛ ليكتسب سلوكاً إيجابياً مفيدًا له وللمجتمع.

والتنمر أحد السلوكيات السلبية التي تظهر في المدارس ما بين الطلاب والطالبات الذين تتفاوت قواهم. وهو سلوك يتكرر بنية تعدي طرف على الآخر مباشرة أو غير مباشرة. ولعل تزايد الاهتمام بهذا السلوك حول العالم دليل على انتشاره وارتفاع حوادثه في المدارس. فالتنمر سلوك يعرقل العملية التعليمية، ويشيع الفوضى بين الطلاب ويكدّر البيئة الآمنة في مدارسهم.

ولعل أهم أسباب دراسة هذا السلوك هو آثاره النفسية والشخصية المدمرة للطلاب، التي قد تصل أحياناً إلى انتحار الضحايا.

والدليل على تلك الخطورة كثرة الدراسات العالمية التي تناولت الموضوع، مقابل ندرة الدراسات من هذا النوع على الصعيدين المحلي والإقليمي.

لكن في السنوات الأخيرة تنامى الاهتمام بالتنمر في المملكة العربية السعودية، وقامت على الأقل خمس إدارات تعليمية بدراسته ضمن المشكلات السلوكية في المدارس، ومع انتشار الوسائط الإلكترونية زاد الانتباه لهذا الخطر وبدأ كثيرون يطالبون بقوانين تضمن حقوق الطلبة.

وتتمثل أهمية الدراسة في أسبقيتها في العالم العربي والمملكة العربية السعودية، وفتحها الطريق للمزيد من الدراسات، وتزويدها القائمين على العملية التربوية بتوصيات عملية وحزمة توعوية تمكنهم من الإسهام في اكتشاف التنمر والحد منه ومعالجة آثاره.

التنمر والتنمر المدرسي وأبعاده:

ترجع بداية الاهتمام بظاهرة التنمر إلى عام 1978م، عندما استيقظ المجتمع النرويجي على خبر انتحار تلاميذ من المرحلة المتوسطة بسبب تعرضهم للتنمر. وتبعاً للحادثة عُقد مؤتمر في "ستافنجر" في نفس العام، بعنوان "سلوك التنمر في البيئات المدرسية". وقد لقيت أوراق المؤتمر اهتماما عالميا وبدأت العديد من الدول مثل انجلترا واستراليا وأمريكا بتنفيذ العديد من عمليات المسح والدراسات. وفي نهاية القرن العشرين احتلت قضية التنمر في المدارس مكانة بارزة في العديد من البلدان.

وبرز الاهتمام البحثي العربي بدراسة الخولي (2004) التي بحثت التنمر في المدارس تحت عنوان "المشاغبة لدى عينة من المراهقين"، ثم تبعتها الدراسات.

وأول من أشار إلى مصطلح التنمر هو النرويجي (Dan Olweus) عندما استخدم كلمة (Bullying)، وعرفها بأنها "تعرض أي شخص للإيذاء أو التخويف أو وقوعه ضحية الأعمال السيئة، مراراً وتكراراً من جانب شخص أو أكثر، سواء كان الإيذاء جسديا أو لفظيا".

وقد تعددت ترجمات المصطلح قبل أن تستقر على التنمر، فكان منها: المشاغبة، البلطجة، المشاكسة، الاستئساد.

وكلمة تنمر في "لسان العرب" تعني سوء الخُلق: (نَمِرَ، وتنمَّر، ونَمَّرَ وجهه أي غيّره وعبّسه)، وفي "القاموس المحيط": نَمَّرّ وتنمَّر أي غَضِبَ وساء خُلُقُه.

كما تباينت تعريفات التنمر من قِبل الباحثين والدارسين له، لكن معظم التعريفات اتفقت على التالي في خصائص التنمر:

  • عدم توازن القوى بين المتنمر (ومجموعته) والضحية.
  • تكرار إلحاق الأذى.
  • يشمل الأذى العدوان الجسدي واللفظي والعزل الاجتماعي.
  • يكون الأذى مباشرة أو غير مباشرة.

الخصائص العامة للتنمر:

التنمر سلوك يختلف عن العنف والعدوان؛ فالعنف والعدوان يتضمنان التنمر ولكن التنمر قد يتضمنهما إذ قد حدث بدون عنف ولا عدوان. والعنف يقتصر على الأذى البدني غالبًا فيما يمتد التنمر إلى الأذى النفسي.

ومن خصائص التنمر:

  1. اختلاف القوة بين المتنمر وضحيته.
  2. التكرار والتعمد.
  3. ضعف الضحية وضعف الدعم.
  4. تأثر الضحية على المدى البعيد.

والتنمر يحدث بغض النظر عن الجنس، فقد وجدت الدراسات أن التنمر منتشر بين الفتيان والفتيات، وإن كانت نسبته عند الفتيان أكبر. ولكن ينتشر التنمر الجسدي المباشر بين الفتيان والتنمر الجسدي غير المباشر عند الفتيات، كما أن الفتيات الضحايا يشعرن بالاكتئاب والرغبة في الانتحار أكثر من الفتيان.

إن للتنمر طبيعة خفية تجعله غائب عن وعي كثير من الآباء والمعلمين؛ لأن معظم الضحايا ينكرون ويخفون ما يواجهون من تنمر مخافة عزلهم اجتماعيا أو تكرار الأذى أو لعدم ثقتهم في قدرة المعلم على مناصرتهم.

عناصر عملية التنمر:

  1. المتنمر: الشخص الذي يستخدم قوته في العدوان على أقرانه للسيطرة عليهم. ويتصف بالعناد والجحود. وغالب المتنمرين ينتمون لأسر تتبع العقاب البدني لتقوي السلوك. وهناك متنمر عدواني لا يعرف الخوف وواثق من نفسه، ومتنمر سلبي يتسم بالقلق ومهمته إثارة المشاكل وافتعال الأزمات وتهيئة الأجواء للمتنمر العدواني. وهناك متنمر مزدوج يكون متنمرًا أحيانًا وضحية أحيانًا أخرى.
  2. الضحية: وهو الطالب الذي يصيبه الضرر من المتنمر ولا يستطيع الرد على المضايقات. ويكون ضعيفًا وانعزاليا يفتقر للمهارات الاجتماعية. فالضحايا قد يكونوا سلبيين يبكون بسرعة، وقد يكونوا انفعاليون تسهل إثارتهم وإغاظتهم، على الرغم من أنهم قد يتنمرون على من هم أضعف منهم.
  3. المتفرجون: هم تلاميذ لهم قدرات أفضل في التعامل مع الأزمات، يدافعون عن أنفسهم دون اللجوء للمواجهة العدوانية. ومعظمهم لا يشاركون في الدفاع عن زملائهم ممن يتعرضون للتنمر، بل يصمتون لأنهم لا يعلمون كيف يتصرفون، ويخافون من أن يزيد المتنمر في تنمره على الضحية إن تدخلوا، أو أن يحولهم هم إلى ضحايا.

أنماط التنمر:

  • التنمر الجسدي.
  • التنمر غير الجسدي:
  • التنمر اللفظي.
  • التنمر غير اللفظي (ويكون مباشرا بالنظرات والإيماءات أو غير مباشرا بالتجاهل)
  • إتلاف الأشياء.
  • التنمر العنصري.
  • التنمر على ذوي الاحتياجات الخاصة.

وقد قسّمه البعض إلى نوعين فقط:

  • التنمر الاجتماعي.
  • التنمر الجنسي.

أماكن التنمر المدرسي بين الطالبات:

أكثر الأماكن التي يحدث فيها التنمر هي ساحة المدرسة، بنسبة تتجاوز الـ 80%، يليها الفصل والممرات. والسبب في ذلك غياب المعلمين والمراقبين في تلك الأماكن. وهذا يبرز بوضوح أهمية دور المدرسة في الحد من سلوك التنمر من خلال المراقبة والإشراف الجيدين على سلوكيات الأطفال في كافة زوايا المدرسة، مع توفير بيئة مدرسية آمنة إيجابية تدعم الضحايا وتعلمهم المهارات الاجتماعية ليكونوا أكثر ثقة في أنفسهم.

أبرز النظريات المفسرة لسلوك التنمر:

  1. النظرية البيولوجية: وتقوم على افتراض أن العدوان انعكاس لخلل بيولوجي في تكوين الشخص، وأن للهرمونات دور في هذا العدوان؛ فكلما زاد هرمون الذكورة زاد العدوان. أي إن الجينات البيولوجية والهرمونات والجهاز العصبي والغدد الصماء وغيرها هي المسؤولة عن حدوث العنف نتيجة تفاعلها مع المثيرات البيئية.
  2. نظرية التحليل النفسي: وترى هذه النظرية أن كل أشكال العنف الجسدي واللفظي تنتج عن غريزة التدمير أو الموت، فالغرائز تتعارض مع بعضها. وقد اعتبر فرويد أن السلوك العدواني يحدث بالفطرة لتصريف الطاقة العدائية الموجودة داخل الإنسان.
  3. نظرية الإحباط-العدوان: تقول هذه النظرية إن السلوك العدواني يحدث نتيجة الاحباطات التي تواجه الإنسان، وأن قوته تزداد كلما زاد الإحباط وتكرر حدوثه.

نتائج الدراسة:

بعد دراسة الباحثة لظاهرة التنمر لدى طالبات الصفوف العليا في المرحلة الابتدائية في مدينة الرياض، توصلت إلى ما يلي:

  • المعلمات يوافقن بدرجة "عالية" على واقع التنمر لدى الطالبات.
  • عينة الدراسة توافق بدرجة "غير متأكد" على عدة عوامل لانتشار التنمر، ومنها عدم وجود برامج لحل المنازعات تتبناها المدرسة، والافتقار إلى سياسات تأديبية واضحة.
  • توافقن المعلمات بدرجة عالية على عدة خصائص للمتنمرة مثل سلوكها العدواني المتسلط، وعدم اهتمامها بمشاعر الغير.
  • المعلمات يوافقن بدرجة غير متأكد على أن الضحية تشعر بالخوف وعدم الأمان، وأنها تتصف بالخجل والضعف.
  • ترى المعلمات أن الشب والشتم بألفاظ جارحة وترويج الأكاذيب، من أنماط التنمر.
  • أكدت الدراسة على آثار التنمر النفسية على الضحية.
  • بإمكان المدرسة مواجهة التنمر بمراقبة سلوك الطالبات والتواصل مع أولياء الأمور.
  • تشعر الطالبات بالغضب من الطالبة المتنمرة.
  • ترى الطالبات أن المتنمرة تتصف بالغرور والتعالي والعدوانية.
  • من أنماط التنمر كما ترى الطالبات: ترويج الأكاذيب، السب والشتم، وتجاهل الضحية.
  • تتفق الطالبات على أن الضحية تتصف بسرعة البكاء، والتفوق الدراسي، وعدم مدافعتها عن نفسها.
  • من أماكن وقوع التنمر في المدرسة: داخل الفصل والساحة الخارجية بعد انتهاء الدوام المدرسي.
  • تتفق الطالبات على وجود عدة طرق لمواجهة التنمر، مثل: تحدث المعلمة مع المتنمرة، قيام الضحية بإبلاغ شخص بالغ في المدرسة.
  • توصلت الدراسة إلى أن الخبرة المباشرة هي أكثر المصادر لنشر المعلومات عن التنمر، يليها الإنترنت والبرامج التلفزيونية والفضائية.
  • بالنسبة لمتغير الوظيفة حصلت المديرات على أعلى المتوسطات.
  • بالنسبة لمتغير موقع المدرسة كانت الفروق دالة إحصائياً لصالح مدارس غرب الرياض.
  • بالنسبة لمتغير حجم المدرسة كانت الفروق دالة إحصائياً لصالح المدارس الكبيرة جداً.
  • مدى الاختلاف وفقاً لمتغير موقع المدرسة الجغرافي أشار إلى فروق دالة إحصائياً لصالح مدارس شرق الرياض.

توصيات الدراسة:

بناءً على نتائج الدراسة أوصت الباحثة بما يلي:

  1. ضرورة توعية المعلمات والطالبات.
  2. وضع خطط وبرامج تتبناها إدارة التعليم وتعممها على المدارس.
  3. تفعيل دور الاختصاصيات النفسيات والاجتماعيات داخل المدرسة.
  4. توعية المعلمات بخصائص الطالبة المتنمرة والطالبة الضحية.
  5. تفعيل قرارات خاصة بسلوكيات التنمر.
  6. ضرورة تكثيف المراقبة على الطالبات، خاصة في أماكن التنمر.
  7. ضرورة تبني وزارة التربية لبرامج دولية موثوقة.
  8. تفعيل دور وسائل الإعلام في التعريف بالتنمر.
  9. توعية المعلمة بدورها التربوي داخل المدرسة.
  10. زيادة الاهتمام بالأنشطة اللاصفية التي تفريغ طاقات الطالبات إيجابياً.
  11. ضرورة التعاون والتواصل بين البيت والمدرسة.

خاتمة:

في ختام الدراسة اقترحت الباحثة إجراء دراسة ميدانية عن التنمر في المراحل المتوسطة والثانوية للبنات، مع إجراء المزيد من البحوث والدراسات الكيفية عن ظاهرة التنمر، ولفتت الانتباه إلى أهمية مشاركة المؤسسات التربوية مع المجتمع في مواجهة ظواهر كهذه.

الوسوم