قل لا للتنمر الإلكتروني

مقدمة:
يسعى هذا الكتيب للتعريف بالتنمر الإلكتروني، أسبابه وأساليبه والمتضررين منه، ويركز على تأثيره على الأسرة والمجتمع، كما يعطي الخطوات الضروري اتباعها للوقاية والحماية من التنمر، مع الحد من حدوثها. لذا فالكتيب موجه لكل فئات المجتمع من مراهقين وشباب وآباء ومعلمين ومربّين، على أمل صنع فرق وتغيير إيجابي يحسّن حياة الآخرين.
ما هو التنمر الإلكتروني؟
التنمر بوجه عام هو فعل مقصود بجدية أو بمزاح، ينتج عنه التعدي المؤذي من قبل فرد أو مجموعة ضد شخص آخر أو مجموعة ثانية، ويكون هذا الفعل متكررًا بسبب استقواء طرف على الآخر، وقيامه باستغلال نقاط ضعفه من أجل إيقاع الضرر به.
و "التنمر الإلكتروني" أحد الصور الحديثة للتنمر، وفيه يقع الأذى باستخدام الأجهزة الإلكترونية المرتبطة بالإنترنيت، المتمثلة في مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو الألعاب الافتراضية الجماعية.
ما الفرق بين التنمر والتنمر الإلكتروني؟
يلخص الكتيب الفرق بين التنمر بوجه عام والتنمر الإلكتروني بصفة خاصة في نقاط عدة:
- التنمر يشمل الإيذاء الجسدي المتكرر بالضرب أو السرقة بينما التنمر الإلكتروني لا يلزمه التكرار، فمرة واحدة كفيلة بأخذ مدى أوسع إن أيّدها الآخرين وتفاعلوا الآخرين معها.
- حدود التنمر صغيرة بين أفراد محددين إذا ما تمت مقارنتها بالتنمر الإلكتروني الذي ينتشر بسرعه بين الناس.
- في التنمر الضحية يعرف المتنمر المعتدِي عليه، بينما قد يجهل من الذي تنمر عليه في التنمر الإلكتروني.
- ينتهي التنمر بانتهاء الفعل وتبقى آثاره على المتضررين فقط، بينما التنمر الإلكتروني لا ينتهي ضرره وذلك بسبب بقاء مادة التنمر على الانترنيت مما يسمح بوصولها لشرائح أكثر.
- في التنمر يفكر ويخطط المتنمر لاختيار الوقت والمكان المناسب، بينما يسهل عليه أن يتنمر إلكترونياً بدون تفكير مسبق في نواتج فعلته.
- التنمر يحدث وجهاً لوجه بينما الضحية في التنمر الإلكتروني قد يجهل ما حدث له وقد يصل الفعل للناس وينتشر قبل أن يعرف هو به.
ما أهمية أن نكون قادة؟
يحث الكتيّب على معرفة جوانب القوة والتميز في شخصية كل إنسان ليكون قائداً، وذلك لتحويل جوانب الضعف إلى تحدٍّ يزيد من القوة الفردية، إذ على كل شخص أن يؤمن بأهمية وجوده في هذه الحياة، وبقدرته على إحداث التغيير الإيجابي في الآخرين، فيلتزم بقيمه الإنسانية بالابتعاد عن إيذاء نفسه والآخرين.
وكلما علا حس القيادة والمسؤولية داخل الإنسان سيكون واعياً بالتنمر الإلكتروني وطرق حدوثه، وسيقوم بحماية نفسه والآخرين بذكاء. فالقائد يتحكم في نفسه ولا ينساق وراء التنمر بأي حال من الأحوال، بل يساهم في إيقاف وقوعه على الآخرين وفي تغيير هذه الثقافة بأخرى بديلة تقوم على الاحترام الإنساني.
ما هي طرق وأنواع التنمر الإلكتروني؟
يحدث التنمر الإلكتروني بصور متعددة يذكر الكتيّب منها ما يلي:
- كتابة كلمات أو فقرات مؤذية أو محرجة.
- استخدام صور أو فيديوات حقيقية أو مفبركة غير لائقة.
- نشر الشائعات المشوِّهة لسمعة الآخرين.
- استخدام علامات أو إشارات غير لائقة.
وهناك نوعان من التنمر الإلكتروني أحدها "مباشر" ويكون بإرسال ما يؤذِ الضحية مباشرة له، وثانيهما "غير مباشر" ويكون بإرسال ما يؤذِ الضحية إلى الآخرين، وهذا النوع الثاني أخطر لأنه سيصل للكثيرين ولن نستطيع التحكم فيه ولا إيقافه حتى لو ندم المتنمر على فعلته.
فالمتنمر الإلكتروني قد يلجأ إلى إرسال ما يحتوي التحقير والإهانة، أو يقوم بتهميش الضحية وطرده من المجموعات ليشعره بعدم أهمية وجوده معهم، وقد يتجاوز المتنمر ذلك إلى التهديد والابتزاز بخصوصياته التي سيتضرر إن خرجت للعامة، وقد يسرق حساباته وينتحل شخصيته ومن ثم يتواصل بطريقة غير لائقة مع أصدقائه ومعارفه، مع التشهير وإفشاء خصوصياته.
ما هي أسباب التنمر؟
يقوم المتنمر بالإستقواء على الآخرين لتحقيق هدفين أحدهما خاص به، وهو إخفاء ضعفه وعدم قدرته على تغيير شخصيته وحياته، وهدف يخص الآخرين، وهو الظهور بقوة وشجاعة كبيرة تجذب إليه أنظار الآخرين أو تخوفهم منه فيعملون على إرضائه.
هل يرتكب المراهقون التنمر الإلكتروني؟
إن طبيعة المراهق المحبّة للإثارة تدفعه للتنمر الإلكتروني الذي يمنحه مساحة سهلة وواسعة لذلك. في مرحلة المراهقة ينتقل المراهق من الطفولة والشباب، ويعتقد أن تنمره سيثبت أنه قوي ولم يعد طفلاً، كما أن المراهق سريع الاستجابة للمؤثرات الخارجية كالاستفزاز، فتأتي منه ردة الفعل سريعة بدون تأنٍ أو تفكير في تبعية تصرفه؛ لأن هدفه جلب الانتباه إلى نفسه ولو بتصرفات سيئة التأثير على الآخرين.
المراهق المتنمر شخص عادي، وقد يكون ضحية للتنمر تحوّل إلى متنمر ليستعيد ثقته بنفسه، او لينتقم ممن تنمر عليه. وعلى رغم الرضا والفرح الذي يشعر به المتنمر المراهق عند إيذاء الآخرين، يعلم في داخله أنه لم يحقق شيئاً قيّمًا، وهذا قد يفقده الثقة بنفسه، خصوصًا عندما يكون تنمره مجرد مزحة تضخّمت وفقد السيطرة عليها.
ما شعور المتنمر وقت ممارسته التنمر؟
طبيعة الإنسان تميل إلى حب الخير ومساعدة الآخرين، ولكن المتنمر يصل إلى مرحلة يفقد فيها الإحساس بالآخر، ولا يرى سوى نفسه، فيفقد الجانب الإنساني بداخله تدريجياً ولا يرى ولا يركز إلا على إيقاع الضرر الآني للآخر.
لذا يستمد المتنمر قوته من ضعفه وضعف من حوله، وضعف الضحية وغياب الدعم لها يشجع المتنمر على الاستقواء أكثر مثلما تشجعه إمكانية إفلاته من العقاب كما في حالة استخدام حسابات إلكترونية وهمية.
ما التحديات التي تواجه ضحية التنمر؟
ضحية عملية التنمر يواجه الكثير من التحديات التي يعجز عن تخطيها بمفرده، وأولها الخوف من الإفصاح عما جرى معه خشية أن يتطور الموضوع، فالكثير من الآباء يكون موقفهم سلبياً وقاسياً عند معرفتهم ما حدث مع أبنائهم، وعليه يخشى ضحية التنمر –مثلًا-أن تؤخذ منه أجهزته الإلكترونية ويُحرم من استخدام الإنترنيت.
كما أن الضحية قد لا تكون لديه ثقة في قدرة أبويه على المساعدة، وبالتالي يفتح المجال لتدخل أطراف أخرى في الموضوع فتنتشر الإساءة أكثر.
وهنا يوجه الكتيب أنظارنا إلى أننا قد نساند التنمر بدون قصد فنزيد من الموقف سوءاً، عندما نضع علامة أو إشارة تدل على إعجابنا أو تأييدنا للإساءة، وعندما نعيد إرسالها بقصد بريء لحث الآخرين على النظر في هذه الافتراءات، وعندما لا نبالي فنسمح للمتنمر بالاستمرار في الإستقواء على غيره.
ما هي الأضرار المتوقعة من التنمر الإلكتروني؟
بما أن التنمر الإلكتروني يستهدف نظرة الشخص إلى نفسه، فإنه قد يؤدِّ إلى نهايات مأساوية إذا لم يستطع تخطي آثار التنمر الذي تعرض له، كأن ينظر نظرة دونية إلى ذاته، ويصعب عليه أن يثق في الآخرين مرة أخرى، ويدفعه الخوف والقلق إلى تشتت الذهن وبالتالي تدني مستواه الدراسي ورغبته في ارتياد المدرسة، وكل ما سبق سيؤثر في نومه وغذائه ويعرضه لمشاكل نفسية وجسدية كثيرة.
كيف نتجنب التنمر الإلكتروني؟
طالما وُجدنا على الإنترنت فهناك احتمالية أن نتعرض للتنمر الإلكتروني من قِبل شخص نعرفه أو نجهله، ولابد أن نأخذ الحيطة والحذر بتأمين جميع التطبيقات والحسابات الخاصة بنا على جميع مواقع التواصل، مع الحرص على عدم التحدث أمام الآخرين عن نقاط ضعفنا، لأن مشاركة بعض الأمور التي تبدو التافهة في نظرنا قد تعط المتنمر إلكترونياً معلومات مهمة يستخدمها ضدنا.
إذن، من المهم احترام الذات بعدم التكلم بشكل مسيء عن الآخر، كما أن عدم إفشاء خصوصيات الأسرة يحفظنا من الكثير من التنمر الإلكتروني. وعمومًا، الانتباه لكل ما نقوم به أفضل، لأن الأخطاء كانت تنسى في السابق، أما اليوم فلا يمكن نسيانها لسهولة وجودها وانتشارها على الإنترنيت، وعليه يجب الحرص على انتقاء من نتواصل معهم بأن يكونوا أشخاصًا جيدين لا يرتكبون بالتنمر ولا يقبلونه.
ماذا تفعل إذا تعرضت للتنمر الإلكتروني؟
إذا تعرض شخص للتنمر يجب أن يتذكر فوراً أنه إنسان ذو قيمة، وألّا يجعل قيمته مقترنة بشكله أو لونه أو وضعه الاجتماعي أو المادي، ويجب أن يكون على ثقة بأن ما يقوله الآخرون فيه من أمور سيئة لا يغير حقيقة كونه إنسانًا، ولذا لابد من أن يحرص على بناء الثقة في نفسه مهما كانت الصعوبات لأن الثقة ستمنحه قوة وقدرة أكبر لتجاوز كل شيء، كما يجب ألّا ينسى أن هناك الكثيرون من محبيه والمهتمين بأمره كالأسرة والأصدقاء والمدرسة، ولا ضرر من اللجوء إليهم لمساعدته عند الحاجة.
وينصح الكتيّب المتعرض للتنمر إلى التروي قبل أن يقوم بأي عمل يجعل الأمور أكثر سوءاً. فيجب أن يستشير ليتمكن من احتواء الموضوع بشكل أفضل، وألّا يتسرع في الرد على المتنمر بالاستقواء عليه؛ لأن العمل السيء لا يمكن أن يصححه عمل سيء آخر، ويجب ألّا يشعر بالخجل مما نشره المتنمر حتى لو كان حقيقة، فجميعنا نخطئ، بل يجب التركيز على تصحيح الخطأ، وعدم التجاوب أبداً مع من يهدده أو يبتزه، ولا مانع من اللجوء إلى الجهات الرسمية التي قد تمنحه الحماية والمساعدة للتخلص من التنمر.
هل أنت متنمر ولا تدري؟
يذكر الكتيّب تصرفات وأفعال قد يفعلها أحدنا دون قصد تؤدي إلى التنمر على الآخرين، مثل حمل مشاعر حسد أو كره أو حقد تجاه الآخرين فتكون قد تنمرت عليهم بدون قصد، وعدم المبالاة بألم أو مشاعر من يتعرضون للظلم يؤدي للتنمر أيضًا، وغير ذلك الكثير من التصرفات، منها:
- استخدام الكلمات غير اللائقة على مواقع التواصل الإجتماعي.
- الشعور بالفرح عند دخول أحدهم في ورطة ما.
- إرسال أو تشجيع الآخرين على إرسال ما يحرج شخصًا ما.
- وجود أكثر من حساب على الإنترنيت لا تستخدم اسمك الحقيقي فيها لتتصرف بطريقة مختلفة عما يعرفه الآخرون عنك.
- نشر نص مكالمة أو فيديو لشخص دون إذنه، سواء كانت حقيقية أو مفبركة.
إذا كنت متنمراً دون أن تدري ... ماذا يجب أن تفعل؟
يحث الكتيّب المتنمر بدون قصد على اتبّاع الخطوات التالية فوراً:
- وقف التنمر بكل أشكاله فوراً.
- محاولة التحكم بمشاعر الحسد والكره، فنحن جميعاً تنتابنا مثل هذه المشاعر من وقت لآخر ويجب أن يتذكر أن ما نراه ونعلمه من ظاهر الناس لا يعني أنهم أفضل منّا بل إن البيوت تحتوي كثيرًا من الأسرار.
- اختيار الكلمات والتعابير عند التفاعل على الإنترنت، فما تراه عادياً قد لا يكون كذلك عند غيرك.
- لا يجب أن يأخذ كل شيء على سبيل المزاح والتسلية، فبعض الكلمات معانيها مؤذية لأشخاص حقيقيين لهم مشاعر وقد تنعكس سلباً على حياتهم الواقعية.
ويجب أن يتذكر المتنمر بأن لكل شخص درجة وقوة للتحمل تختلف من شخص لآخر، كما أن هناك فرقًا بين الأصدقاء الحقيقيين في الواقع والمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن يعجبه تنمرك على شخص ما هو نفسه من سيعجبه تنمر الآخرين عليك. ومن حق كل شخص أن يصبح معروفاً للجميع، لكن يجب التأكد بأن ذلك يحدث من خلال شيء يضيف له القيمة والاحترام الحقيقي في نظره ونظر الآخرين.
كيف نضع حدّاً للتنمر الإلكتروني؟
يحث الكتيّب على أن يكون كل شخص قائدًا ينتبه للتنمر منذ بدايته، وألًا يكون سلبيّا في التعامل مع المواقف التنمرية، كأن يتجاهل (SPAM) أو يحظر (BLOCK) أو يرد بأدب على أي إهانة للضحية، بل أن يدافع عن الضحية ويدفع الآخرين للاقتداء به والعمل مثله وبالتالي يحد من التنمر، وهذا يساعد في نشر ثقافة أن يكون الآخرين قادة في محاربة التنمر الإلكتروني.
يجب أن يفكر كل شخص فيما يكتبه ويرسله: هل يؤذي شخصًا ما؟ هل فيه إهانة مبطنة له؟ هل سيجعل الآخر يشعر بالسوء؟ وعليه إما أن يتوقف عن الإرسال تماماً أو أن يقوم بتعديل ما كتب، أي يجب أن يكون قائداً إيجابياً ومؤثراً.
ختاماً
لكل شخص قيمة، وثقة الإنسان في نفسه يجب ألّا تخضع لتحكم الآخرين، فما يفعله الاخرون للإساءة إلى شخص ما لا يغير من حقيقة ما هو عليه، وكل إنسان يستحق أن يكون الأفضل، وأن يكون قائداً في توقيف التنمر الإلكتروني.